كيف تكتب السيناريو الجزء الثاني ( منقول )
صفحة 1 من اصل 1
كيف تكتب السيناريو الجزء الثاني ( منقول )
كيف تكتب السيناريو
الحلقة الثانية
اليكساندر أستريمسكي
ترجمة :عبد الهادي الراوي
مخطط السيناريو المشاهدي
تشكل صناعة تقنية المخطط المشاهدي الأداة الرئيسة لكاتب السيناريو.
كل أداة هي مجموعة من الحلول الجاهزة مسبقا، لغرض العمل الفعال على تنفيذ الواجبات المطلوية. ان الفرق بين العمل بمساعدة الأداة وبين العمل بدونها هائل. سنأخذ عملية غسيل الملابس مثلا على ذلك. فلو كنا نعيش في النصف الأول من القرن الماضي لكان علينا أن نعمل ما يلي: نضع مسحوق الغسيل مع الملابس في الطست، نصب الماء، نترك الملابس في الماء لفترة، ثم نبدأ بغسها ودعكها على خشبة الغسيل، بعد ذلك نشطفها ونعصرها. وستأخذ هذه العملية من ساعة واحدة الى عدة ساعات، ارتباطا بنوعية الملابس. لكننا الآن، في القرن الواحد والعشرين، ولهذا نستعمل مكان خشبة الغسيل ماكنة آلية، وهي آداة رائعة على شكل مجموعة من الحلول الجاهزة مسبقا. وهكذا، نضع الملابس في جوف الغسالة ونضيف مسحوق الغسيل ونؤشر البرنامج الملائم لهذه الملابس، أما الباقي فتقوم به الغسالة آليا. ويكمن السر في ان الماكنة تحتوي على برنامج، أي تسلسل واضح للخطوات التي تؤدي الى نتيجة مبرمجة مسبقا، توفر لنا مقدارا هائلا من الوقت والجهد.
وهكذا، نجد في هذه المقالة حلولا جاهزة مسبقا، أو بكلام آخر: برنامج عمل لصنع المخطط المشاهدي للسيناريو. لكن وقبل أن نتعمق في التقنية أريد أن أشرح – باختصار- المبادئ النظرية التي تنبني عليها هذه التقنية.
لنبدأ من الألفباء. كل سيناريو يمكن تقسيمه الى ثلاثة فصول: الفصل الأول والثاني والثالث.
الفصل الأول. تتأسس فيه الاصطدام المركزي (تعارض قوتين أو أكثر). أما في الفصل الثاني فتتطور المشكلة تطورا عنيفا (المعركة تستجمع الانعطافات)، وفي الفصل الثالث تصل المشكلة الى حلها (الذروة) المنطقي. يبدو هذا الكلام بسيطا بما في الكفاية. لكننا هنا لسنا في وارد تعقيد الأشياء.
الفصل الأول. يحتوي في العادة على تعرف البطل الرئيس الشخصيات الأخرى، كما يحتوي على بداية المشكلة المركزية. وفي هذا الفصل يجد البطل نفسه في ظرف ينبغي له العمل جديا للتخلص منه، الى حين بلوغ الذروة ، أي حتى نهاية الفصل الثالث.
الفصل الثاني. انه "ركض موانع" بالنسبة للبطل الرئيس ومساعديه باتجاه الهدف، مع العلم ان هذه الموانع يمكن أن تكون عصية على التخطي حتى ولو بواسطة طائرة. اما اذا كان الطيران من فوقها ممكنا، فان البطل لا يملك طائرة. وبصورة عامة، كلما كان خيال الكاتب واسعا تكون النتائج أسوأ بالنسبة للبطل. ذلك لأن الفصل الثاني هو "الكثير من المشاكل بالنسبة للبطل، تتعقد أكثر فأكثر".
وأخيرا، الفصل الثالث، حيث تنحل المشكلة المركزية، ومعها كل المشاكل الثانوية. البطل يصل الى هدفه أو يموت في المعركة، كما تحصل هنا كل الأسئلة على أجوبة واضحة.
واذا قسمنا السيناريو الجاهز الى أجزاء متساوية، فان الفصل الأول سيشغل الجزء الأول، وسيشغل الفصل الثاني الجزئين الثاني والثالث، أما الفصل الثالث فيسيشغل الجزء الرابع. أي، ان نسب أطوال الفصول مع بعضها البعض يكون: 1-2-1. لكن علينا أن نفهم جيدا ان هذا التقسيم هو تقسيم اصطلاحي فقط.
شيء آخر من النظرية: في نهاية الفصل الأول يجب أن يحدث أول حدث انعطافي يعطي اتجاها جديدا لتطور القصة، ويرمي البطل الرئيس الى الفصل الثاني. وفي نهاية الفصل الثاني يجب أن يحدث حدث انعطافي يوجه –بدوره- القصة باتجاه الذروة فالحل. هذا الحدثان الانعطافيان يشكلان نقاط تقسيم السيناريو الى فصول. والحدث الانعطافي –دائما- يقوي المشكلة. ويمكن أن يكون لحظة اختيار البطل لاتجاه جديد للفعل، مثل زيادة محسوسة في المخاطرة، أو يمكن أن يكون مفاجأة غير متوقعة يقوم بها الخصم. لكن هذا –دائما- تقوية للصدام واتجاه جديد لتطور الأحداث.
وزيادة على الأحداث الانعطافية الأساسية (الأول والثاني) هناك أخرى ثانوية وهي: "الحدث - الدفعة" و"الانعطاف المركزي". وبهذا الشكل، فان بنية اي سيناريو مكتوب بشكل احترافي تأخذ الشكل التالي:
1-البداية
2-الحدث - الدفعة
3- الحدث الانعطافي الأول
4- الانعطاف المركزي
5- الحدث الانعطافي الثاني
6- الذروة
7- النهاية
سنتكلم لاحقا عن الأحداث الانعطافية وعن المكونات الأخرى لبنية السيناريو بالتفصيل. وبهذا نكون قد أنهينا الجزء النظري، وسنتحول الى التقنية نفسها. بالمناسبة، كما تصرفنا في المقالة السابقة ، سأورد بعد كل خطوة مثالا على كيفية تنفيذها على أساس "عالم الحشرات".
تقنية عمل المخطط المشاهدي
الخطوة الأولى. صور (صف) القصة.
بعد تنفيذ الخطوة 23 من المقالة السابقة، صف الآن القصة التي سبق أن فصلتها، بأكبر قدر تستطيعه من التمام. وستقوم الاعمال التالية – خطوة خطوة- بتنظيمها وتعميقها وتوسيعها.
لكن لا تقلق اذا توجب عليك – من الخطوة التالية- أن توسع أحداث قصتك في بعض الأماكن، بل وأن تبدل فيها. فهذا جزء من عملية الكتابة المرتبط بتعميق قصتك وتحسينها المستمر.
نصيحة: لا تتعلق بما موجود في قصتك اذا كان بامكانك أن تبدع أفضل منه.
الخطوة الثانية: ابتكر استهلالا.
النصف الأول من الفصل الأول هو الاستهلال أو العرض. والاستهلال من حيث التعريف هو "الجزء التمهيدي من العمل الأدبي أو الموسيقي، الذي يحتوي على البواعث (جمع باعث) التي ستتطور لاحقا. وهنا يجب أن نري المتفرج حياة البطل الرئيس وما يحيط به وما يلاقيه من مشاكل، كما يجب أن نجعل المتفرج متعاطفا مع البطل. والتعاطف ينتج – في الغالب- بكشف الصفات الايجابية في طبع البطل، من خلال تصرفاته. وهناك تصرفات يقوم بها البطل أو الشخصيات الايجابية يجب أن نكشفها للمتفرج، من قبيل انقاذ حياة انسان، مساعدة الآخرين، القدرة على اتخاذ القرارات الصائبة، القدرة على قيادة الآخرين، اظهار الجرأة والكفاءة والخ...
مثال: ستيف يعمل في مختبره، متفحصا الحشرات. نراه مندمجا في عمله ونستشف كفاءته في هذا المجال. ونتعرف مساعدته جوليا، التي إذ تتواصل معه تسأله ان كان جائعا (تبدي اهتمامها به) وبعد ذلك تحدثه عن امنيتها في الذهاب الى حديقة شركة "عالم الحشرات" لأن في هذه الحديقة بالتحديد، يمكن أن يحصلا على المعلومات اللازمة لأبحاثهما المقبلة. ستيف يقول : ان هذا يمكن أن يكون حلا لمشكلتهما المتعلقة بعدم كفاية المعلومات اللازمة. لكنه سمع أن هناك أناس يختفون –دوريا- في "عالم الحشرات"، لذا لا يريد أن يخاطر بنفسه وبجوليا.
وبعد ذلك يتلفن ستيف لزوجته ماري. نراها في بيت مايكل عشيقها، وهي تجري فحص الحمل. ستيف يسألها عن مكان وجودها، فتقول له أنها "عند صديقتها". الفحص يؤشر أنها حامل. نفهم من كلام ماري أنها لا يمكن أن تكون حامل من ستيف. مايكل سعيد بذلك ويطلب منها ان تسرع بالطلاق من ستيف واصفا اياه بكلمات خشنة.
الخطوة الثالثة: اصنع حدثا – دفعة.
الحدث – الدفعة ، كثيرا ما يختتم الاستهلال. ففي النقطة العاشرة من المائة من السيناريو يجب دفع البطل الرئيس الى ظرف يُظهر للمتفرج الاتجاه الواضح لتطور القصة كلها.
ان الحدث – الدفعة يصنع الحافز الذي يدفع البطل الى عالم جديد، الى مغامرات جديدة، أو الى متاعب غير متوقعة. وغالبا ما يكون هذا الحدث بداية للمشكلة المركزية الرئيسة لكل القصة، ويؤشر ولادة معركة "من ينتصر على من ". وهذا الحدث يمكن أن يكون على شكل استلام مهمة خاصة، اكتشاف خيانة الزوجة، الفصل من العمل والاضطرار للبحث عن عمل جديد،وما الى ذلك.
مثال: يلتقي ستيف بعد انتهاء العمل بماري ويتكلم معها. لكنها لا تخبره بحملها. لكنها بدل من ذلك تفجر موجة من الهيستيريا بحجة : "أن ذبابة تطير في الغرفة وتطن وتضغط على الأعصاب، وأنت تبدو وكأنك لا تلاحظها". ثم تزيد أنها ستتركه لأنها تعبت من أبحاثه التي لا جدوى منها، ومن "هذه الحياة الفارغة". يفهم ستيف من مجمل الكلام أن ماري ربما لديها علاقة عاطفية بشخص ما. وبعد أن تخرج ماري من البيت يشعر ستيف بالقلق والضيق فيتلفن لجوليا ويخبرها بما جرى، كما يقول لها أنه قرر الذهاب الى "عالم الحشرات" للقيام بالبحث الذي يحتاجه، فقد يساعده ذلك على التخفيف من آلامه التي يكابدها.
الخطوة الرابعة: تمعن في "مرحلة الاهتداء".
بعد الاستهلال وحتى الحدث الانعطافي الأول، يتعين على البطل أن يحاول تحديد موقفه مهتديا بما حوله في تلك الظروف التي وجد نفسه فيها (تلك التي دفعه اليها "الحدث- الدفعة". وفي هذه الأثناء ذاتها علينا أن نجعل المتفرج يفهم أيضا،الظرف الذي يوجد فيه البطل، وما يحيط به وما يهدده من أخطار موجودة في هذا المحيط، وما سيحدث في حالة انتصار الشر. ونقصد بـ"الشر" هنا، ما يمنع البطل من الحياة السعيدة، وما يقف في طريقه لمنعه من الوصول الى هدفه.
مثال
يصل ستيف وجوليا الى شركة "عالم الحشرات". وهناك نعرف أن لهذه الشركة حديقة هائلة السعة فيها أعداد غفيرة من مختلف أنواع الحشرات. وتتخصص هذه الشركة في تصغير الانسان الى حجم الاصبع (لا تنسوا أن هذا العالم هو عالم المستقبل) وتزوده بأسلحة خاصة وبصيدلية وبكل ما يحتاج اليه لصيد الحشرات. وبعد ذلك ترسله الشركة لعدة أيام الى الحديقة التي تبدو له مثل غابة كثيفة. وباختصار، فهذه التسلية أخطر أنواع تسلية المستقبل. يوجه أحد الاداريين ستيف وجوليا الى مدير الشركة للتعاقد معه على اجراء البحوث. نتبين أن مدير الشركة هو مايكل (عشيق ماري) الذي لم يكن ستيف يعرفه.
مايكل يوافق على قيام ستيف بالبحوث وبسمة عريضة تلو شفتيه. يقوم الفنيون بتسليح ستيف وجوليا كصيادين، ويصغروهما ويرسلوهما الى الحديقة. ها قد بدأت المغامرة. بطلانا يبدآن تفحص ما حولهما، وفجأة تظهر حشرة كاسرة فتلدغ ستيف. جوليا تقتل الحشرة بلمح البصر بدم بارد، ثم تطعم ستيف بمصل مضاد للسم. ستيف يستيقض بعد أن عاد له وعيه، فيقول لجوليا ان المكان خطر جدا وينبغي العودة بدل المخاطرة. جوليا توافقه الرأي. لكن هنا يحدث أول حدث انعطافي.
الخطوة الخامسة. ابتكر وفصِّل الحدث الانعطافي الأول.
انه يحدث في نهاية الفصل الأول، أي، في حوالى النقطة الخامسة والعشرين في المائة من القصة. انه التحول من الفصل الأول الى الثاني. انه المكان الذي يجبر البطل على سلوك طريق معين أو يدفعه الى حل لم يخطر على بال المتفرج. انها اللحظة التي يبدأ فيها البطل السير على الطريق الذي يجب أن يوصله الى هدفه.أما مفتاح صنع الحدث الانعطافي الأول بشكل احترافي فيكمن في ادراك ان هذا الحدث هو دفعة قوية جدا لأحداث الفصل الثاني بأكمله، أي ، لعدد كبير من الأحداث الموصلة الى الهدف.ولهذا، ينبغي هنا تحديد توجه دقيق لتطوير الأحداث اللاحقة.
مثال: ستيف وجوليا يكتشفان أن أجهزة الاتصال والعدادات عندهما لا تعمل. وأنهما لا يستطيعان الاتصال بالعالم الخارجي وان "العالم الخارجي" لا يستطيع أن يعرف عنهما شيئا. انهما ضائعان في أعماق الحديقة (كما لو كانا ضائعين في غابة غير مأهولة) وهما مرتبكان ولا يعرفان ما يكتنف وضعهما.
الخطوة السادسة: كوِّن وفصِّل "مرحلة التكيف".
تكون "مرحلة التكيف" بين الحدث الانعطافي الأول والانعطاف المركزي. وسيشغل تكيف البطل مع الظروف التي نشأت بسبب الحدث الانحطافي الأول، ومحاولته التكهن بتطور الأحداث اللاحقة،ورسم الخطط لبلوغ هدفه، وتهيؤه للأفعال المؤثرة،ما يقرب من 25% من السيناريو. كما يجب ان تشمل هذ الخطوة ما يعمله خصم البطل أو أعوانه في هذا الوقت.
مثال: بعد الحدث الانعطافي الأول. يصبح هدف ستيف وجوليا محددا وجليا: انه الخلاص من "عالم الحشرات". كانا يأملان في البداية أن العدادات ووسائل الاتصال ستعود الى العمل وأن يصلحها فنيو الشركة. لكن ذلك لم يحدث. فلم يبق لبطلينا سوى الاعتماد على النفس. يبدآن بتحليل امكاناتهما: الأسلحة، العقاقير المضادة للسموم، ما تبقى لهما من طعام وماء. وهنا تتبين لهما أهمية الكتاب – المرشد الذي اصطحباه معهما، والذي يحتوي على معلومات عن كل الحشرات المعروفة.
وبعد ذلك تعين على بطلينا الاشتباك مع الحشرات دفاعا عن نفسيهما، وفي كلا المرتين تكون جوليا من يقتل الحشرات. لأن ستيف لا يستطيع النظر اليها على أنها "كاسرة". وبعد ذلك يلاحظ ستيف وجوليا أن بعض الحشرات لا تأكل سوى الجيف. لكن خلو الحديقة من الطيور أو الحيوانات الأخرى، يجعل عالمينا الأحيائيين يشكان أن "في الأمر شيئا مريبا". يلاحقان تلك الحشرات آكلة الجيف فينهدم بهما نفق غريب يجدان في قاعه هيكلا عظميا آدميا وبعض الملابس. ستيف يعثر في الملابس هوية شخصية لوزير سبق أن اختفى في "عالم الحشرات" ولم يظهر له أثر أبدا. وبعد فحص الهيكل يجدان ثقبا في جمجمته أحدثه اطلاق نار.
نعرف في الوقت ذاته أن توقف العدادات ووسائل الاتصال قد حدث بفعل مايكل.وبعد ذلك مباشرة، يصدر أمرا بتشكيل فريق لانقاذ ستيف وجوليا. يتلفن بعد ذلك لماري ويخبرها باختفاء زوجها ومساعدته، وبأنه قد شكل فريقا لنقاذهما. وبعد ذلك يستدعي رئيس الفريق ويأمره بالقضاء على ستيف وجوليا بأية طريقة ممكنة.ومن خلال حديثهما نعرف أن رئيس الفريق هو أحد رجال مايكل، ولهذا تكون مهمة القضاء على ستيف وجوليا على عاتقه لوحده، وعليه أن يكون حذرا كيلا يعلم الآخرون بذلك.
الخطوة السابعة: فصل الانعطاف المركزي.
ان ما يسمى بالانعطاف المركزي يقع في منتصف السيناريو تقريبا، وهو تلك اللحظة التي يصبح فيها البطل مسيطرا على الوضع أكثر من كونه "يطفو مع التيار". وتنمو فرص البطل للفوز بفضل معلومات و امكانات وقدرات وامكانات جديدة. انه الآن واثق 100% بأنه قادر على الوصول الى هدفه. وتحل هذه اللحظة في الغالب، حين "يحرق البطل الجسور خلفه" ويدرك المتفرج أن الطريق الى "الرجعة قد انقطعت"، وأن شعار البطل هو: "الى الأمام" مهما كلف ذلك.
منقول عن موقع ورشة سينما
http://cineworkinst.eu
الحلقة الثانية
اليكساندر أستريمسكي
ترجمة :عبد الهادي الراوي
مخطط السيناريو المشاهدي
تشكل صناعة تقنية المخطط المشاهدي الأداة الرئيسة لكاتب السيناريو.
كل أداة هي مجموعة من الحلول الجاهزة مسبقا، لغرض العمل الفعال على تنفيذ الواجبات المطلوية. ان الفرق بين العمل بمساعدة الأداة وبين العمل بدونها هائل. سنأخذ عملية غسيل الملابس مثلا على ذلك. فلو كنا نعيش في النصف الأول من القرن الماضي لكان علينا أن نعمل ما يلي: نضع مسحوق الغسيل مع الملابس في الطست، نصب الماء، نترك الملابس في الماء لفترة، ثم نبدأ بغسها ودعكها على خشبة الغسيل، بعد ذلك نشطفها ونعصرها. وستأخذ هذه العملية من ساعة واحدة الى عدة ساعات، ارتباطا بنوعية الملابس. لكننا الآن، في القرن الواحد والعشرين، ولهذا نستعمل مكان خشبة الغسيل ماكنة آلية، وهي آداة رائعة على شكل مجموعة من الحلول الجاهزة مسبقا. وهكذا، نضع الملابس في جوف الغسالة ونضيف مسحوق الغسيل ونؤشر البرنامج الملائم لهذه الملابس، أما الباقي فتقوم به الغسالة آليا. ويكمن السر في ان الماكنة تحتوي على برنامج، أي تسلسل واضح للخطوات التي تؤدي الى نتيجة مبرمجة مسبقا، توفر لنا مقدارا هائلا من الوقت والجهد.
وهكذا، نجد في هذه المقالة حلولا جاهزة مسبقا، أو بكلام آخر: برنامج عمل لصنع المخطط المشاهدي للسيناريو. لكن وقبل أن نتعمق في التقنية أريد أن أشرح – باختصار- المبادئ النظرية التي تنبني عليها هذه التقنية.
لنبدأ من الألفباء. كل سيناريو يمكن تقسيمه الى ثلاثة فصول: الفصل الأول والثاني والثالث.
الفصل الأول. تتأسس فيه الاصطدام المركزي (تعارض قوتين أو أكثر). أما في الفصل الثاني فتتطور المشكلة تطورا عنيفا (المعركة تستجمع الانعطافات)، وفي الفصل الثالث تصل المشكلة الى حلها (الذروة) المنطقي. يبدو هذا الكلام بسيطا بما في الكفاية. لكننا هنا لسنا في وارد تعقيد الأشياء.
الفصل الأول. يحتوي في العادة على تعرف البطل الرئيس الشخصيات الأخرى، كما يحتوي على بداية المشكلة المركزية. وفي هذا الفصل يجد البطل نفسه في ظرف ينبغي له العمل جديا للتخلص منه، الى حين بلوغ الذروة ، أي حتى نهاية الفصل الثالث.
الفصل الثاني. انه "ركض موانع" بالنسبة للبطل الرئيس ومساعديه باتجاه الهدف، مع العلم ان هذه الموانع يمكن أن تكون عصية على التخطي حتى ولو بواسطة طائرة. اما اذا كان الطيران من فوقها ممكنا، فان البطل لا يملك طائرة. وبصورة عامة، كلما كان خيال الكاتب واسعا تكون النتائج أسوأ بالنسبة للبطل. ذلك لأن الفصل الثاني هو "الكثير من المشاكل بالنسبة للبطل، تتعقد أكثر فأكثر".
وأخيرا، الفصل الثالث، حيث تنحل المشكلة المركزية، ومعها كل المشاكل الثانوية. البطل يصل الى هدفه أو يموت في المعركة، كما تحصل هنا كل الأسئلة على أجوبة واضحة.
واذا قسمنا السيناريو الجاهز الى أجزاء متساوية، فان الفصل الأول سيشغل الجزء الأول، وسيشغل الفصل الثاني الجزئين الثاني والثالث، أما الفصل الثالث فيسيشغل الجزء الرابع. أي، ان نسب أطوال الفصول مع بعضها البعض يكون: 1-2-1. لكن علينا أن نفهم جيدا ان هذا التقسيم هو تقسيم اصطلاحي فقط.
شيء آخر من النظرية: في نهاية الفصل الأول يجب أن يحدث أول حدث انعطافي يعطي اتجاها جديدا لتطور القصة، ويرمي البطل الرئيس الى الفصل الثاني. وفي نهاية الفصل الثاني يجب أن يحدث حدث انعطافي يوجه –بدوره- القصة باتجاه الذروة فالحل. هذا الحدثان الانعطافيان يشكلان نقاط تقسيم السيناريو الى فصول. والحدث الانعطافي –دائما- يقوي المشكلة. ويمكن أن يكون لحظة اختيار البطل لاتجاه جديد للفعل، مثل زيادة محسوسة في المخاطرة، أو يمكن أن يكون مفاجأة غير متوقعة يقوم بها الخصم. لكن هذا –دائما- تقوية للصدام واتجاه جديد لتطور الأحداث.
وزيادة على الأحداث الانعطافية الأساسية (الأول والثاني) هناك أخرى ثانوية وهي: "الحدث - الدفعة" و"الانعطاف المركزي". وبهذا الشكل، فان بنية اي سيناريو مكتوب بشكل احترافي تأخذ الشكل التالي:
1-البداية
2-الحدث - الدفعة
3- الحدث الانعطافي الأول
4- الانعطاف المركزي
5- الحدث الانعطافي الثاني
6- الذروة
7- النهاية
سنتكلم لاحقا عن الأحداث الانعطافية وعن المكونات الأخرى لبنية السيناريو بالتفصيل. وبهذا نكون قد أنهينا الجزء النظري، وسنتحول الى التقنية نفسها. بالمناسبة، كما تصرفنا في المقالة السابقة ، سأورد بعد كل خطوة مثالا على كيفية تنفيذها على أساس "عالم الحشرات".
تقنية عمل المخطط المشاهدي
الخطوة الأولى. صور (صف) القصة.
بعد تنفيذ الخطوة 23 من المقالة السابقة، صف الآن القصة التي سبق أن فصلتها، بأكبر قدر تستطيعه من التمام. وستقوم الاعمال التالية – خطوة خطوة- بتنظيمها وتعميقها وتوسيعها.
لكن لا تقلق اذا توجب عليك – من الخطوة التالية- أن توسع أحداث قصتك في بعض الأماكن، بل وأن تبدل فيها. فهذا جزء من عملية الكتابة المرتبط بتعميق قصتك وتحسينها المستمر.
نصيحة: لا تتعلق بما موجود في قصتك اذا كان بامكانك أن تبدع أفضل منه.
الخطوة الثانية: ابتكر استهلالا.
النصف الأول من الفصل الأول هو الاستهلال أو العرض. والاستهلال من حيث التعريف هو "الجزء التمهيدي من العمل الأدبي أو الموسيقي، الذي يحتوي على البواعث (جمع باعث) التي ستتطور لاحقا. وهنا يجب أن نري المتفرج حياة البطل الرئيس وما يحيط به وما يلاقيه من مشاكل، كما يجب أن نجعل المتفرج متعاطفا مع البطل. والتعاطف ينتج – في الغالب- بكشف الصفات الايجابية في طبع البطل، من خلال تصرفاته. وهناك تصرفات يقوم بها البطل أو الشخصيات الايجابية يجب أن نكشفها للمتفرج، من قبيل انقاذ حياة انسان، مساعدة الآخرين، القدرة على اتخاذ القرارات الصائبة، القدرة على قيادة الآخرين، اظهار الجرأة والكفاءة والخ...
مثال: ستيف يعمل في مختبره، متفحصا الحشرات. نراه مندمجا في عمله ونستشف كفاءته في هذا المجال. ونتعرف مساعدته جوليا، التي إذ تتواصل معه تسأله ان كان جائعا (تبدي اهتمامها به) وبعد ذلك تحدثه عن امنيتها في الذهاب الى حديقة شركة "عالم الحشرات" لأن في هذه الحديقة بالتحديد، يمكن أن يحصلا على المعلومات اللازمة لأبحاثهما المقبلة. ستيف يقول : ان هذا يمكن أن يكون حلا لمشكلتهما المتعلقة بعدم كفاية المعلومات اللازمة. لكنه سمع أن هناك أناس يختفون –دوريا- في "عالم الحشرات"، لذا لا يريد أن يخاطر بنفسه وبجوليا.
وبعد ذلك يتلفن ستيف لزوجته ماري. نراها في بيت مايكل عشيقها، وهي تجري فحص الحمل. ستيف يسألها عن مكان وجودها، فتقول له أنها "عند صديقتها". الفحص يؤشر أنها حامل. نفهم من كلام ماري أنها لا يمكن أن تكون حامل من ستيف. مايكل سعيد بذلك ويطلب منها ان تسرع بالطلاق من ستيف واصفا اياه بكلمات خشنة.
الخطوة الثالثة: اصنع حدثا – دفعة.
الحدث – الدفعة ، كثيرا ما يختتم الاستهلال. ففي النقطة العاشرة من المائة من السيناريو يجب دفع البطل الرئيس الى ظرف يُظهر للمتفرج الاتجاه الواضح لتطور القصة كلها.
ان الحدث – الدفعة يصنع الحافز الذي يدفع البطل الى عالم جديد، الى مغامرات جديدة، أو الى متاعب غير متوقعة. وغالبا ما يكون هذا الحدث بداية للمشكلة المركزية الرئيسة لكل القصة، ويؤشر ولادة معركة "من ينتصر على من ". وهذا الحدث يمكن أن يكون على شكل استلام مهمة خاصة، اكتشاف خيانة الزوجة، الفصل من العمل والاضطرار للبحث عن عمل جديد،وما الى ذلك.
مثال: يلتقي ستيف بعد انتهاء العمل بماري ويتكلم معها. لكنها لا تخبره بحملها. لكنها بدل من ذلك تفجر موجة من الهيستيريا بحجة : "أن ذبابة تطير في الغرفة وتطن وتضغط على الأعصاب، وأنت تبدو وكأنك لا تلاحظها". ثم تزيد أنها ستتركه لأنها تعبت من أبحاثه التي لا جدوى منها، ومن "هذه الحياة الفارغة". يفهم ستيف من مجمل الكلام أن ماري ربما لديها علاقة عاطفية بشخص ما. وبعد أن تخرج ماري من البيت يشعر ستيف بالقلق والضيق فيتلفن لجوليا ويخبرها بما جرى، كما يقول لها أنه قرر الذهاب الى "عالم الحشرات" للقيام بالبحث الذي يحتاجه، فقد يساعده ذلك على التخفيف من آلامه التي يكابدها.
الخطوة الرابعة: تمعن في "مرحلة الاهتداء".
بعد الاستهلال وحتى الحدث الانعطافي الأول، يتعين على البطل أن يحاول تحديد موقفه مهتديا بما حوله في تلك الظروف التي وجد نفسه فيها (تلك التي دفعه اليها "الحدث- الدفعة". وفي هذه الأثناء ذاتها علينا أن نجعل المتفرج يفهم أيضا،الظرف الذي يوجد فيه البطل، وما يحيط به وما يهدده من أخطار موجودة في هذا المحيط، وما سيحدث في حالة انتصار الشر. ونقصد بـ"الشر" هنا، ما يمنع البطل من الحياة السعيدة، وما يقف في طريقه لمنعه من الوصول الى هدفه.
مثال
يصل ستيف وجوليا الى شركة "عالم الحشرات". وهناك نعرف أن لهذه الشركة حديقة هائلة السعة فيها أعداد غفيرة من مختلف أنواع الحشرات. وتتخصص هذه الشركة في تصغير الانسان الى حجم الاصبع (لا تنسوا أن هذا العالم هو عالم المستقبل) وتزوده بأسلحة خاصة وبصيدلية وبكل ما يحتاج اليه لصيد الحشرات. وبعد ذلك ترسله الشركة لعدة أيام الى الحديقة التي تبدو له مثل غابة كثيفة. وباختصار، فهذه التسلية أخطر أنواع تسلية المستقبل. يوجه أحد الاداريين ستيف وجوليا الى مدير الشركة للتعاقد معه على اجراء البحوث. نتبين أن مدير الشركة هو مايكل (عشيق ماري) الذي لم يكن ستيف يعرفه.
مايكل يوافق على قيام ستيف بالبحوث وبسمة عريضة تلو شفتيه. يقوم الفنيون بتسليح ستيف وجوليا كصيادين، ويصغروهما ويرسلوهما الى الحديقة. ها قد بدأت المغامرة. بطلانا يبدآن تفحص ما حولهما، وفجأة تظهر حشرة كاسرة فتلدغ ستيف. جوليا تقتل الحشرة بلمح البصر بدم بارد، ثم تطعم ستيف بمصل مضاد للسم. ستيف يستيقض بعد أن عاد له وعيه، فيقول لجوليا ان المكان خطر جدا وينبغي العودة بدل المخاطرة. جوليا توافقه الرأي. لكن هنا يحدث أول حدث انعطافي.
الخطوة الخامسة. ابتكر وفصِّل الحدث الانعطافي الأول.
انه يحدث في نهاية الفصل الأول، أي، في حوالى النقطة الخامسة والعشرين في المائة من القصة. انه التحول من الفصل الأول الى الثاني. انه المكان الذي يجبر البطل على سلوك طريق معين أو يدفعه الى حل لم يخطر على بال المتفرج. انها اللحظة التي يبدأ فيها البطل السير على الطريق الذي يجب أن يوصله الى هدفه.أما مفتاح صنع الحدث الانعطافي الأول بشكل احترافي فيكمن في ادراك ان هذا الحدث هو دفعة قوية جدا لأحداث الفصل الثاني بأكمله، أي ، لعدد كبير من الأحداث الموصلة الى الهدف.ولهذا، ينبغي هنا تحديد توجه دقيق لتطوير الأحداث اللاحقة.
مثال: ستيف وجوليا يكتشفان أن أجهزة الاتصال والعدادات عندهما لا تعمل. وأنهما لا يستطيعان الاتصال بالعالم الخارجي وان "العالم الخارجي" لا يستطيع أن يعرف عنهما شيئا. انهما ضائعان في أعماق الحديقة (كما لو كانا ضائعين في غابة غير مأهولة) وهما مرتبكان ولا يعرفان ما يكتنف وضعهما.
الخطوة السادسة: كوِّن وفصِّل "مرحلة التكيف".
تكون "مرحلة التكيف" بين الحدث الانعطافي الأول والانعطاف المركزي. وسيشغل تكيف البطل مع الظروف التي نشأت بسبب الحدث الانحطافي الأول، ومحاولته التكهن بتطور الأحداث اللاحقة،ورسم الخطط لبلوغ هدفه، وتهيؤه للأفعال المؤثرة،ما يقرب من 25% من السيناريو. كما يجب ان تشمل هذ الخطوة ما يعمله خصم البطل أو أعوانه في هذا الوقت.
مثال: بعد الحدث الانعطافي الأول. يصبح هدف ستيف وجوليا محددا وجليا: انه الخلاص من "عالم الحشرات". كانا يأملان في البداية أن العدادات ووسائل الاتصال ستعود الى العمل وأن يصلحها فنيو الشركة. لكن ذلك لم يحدث. فلم يبق لبطلينا سوى الاعتماد على النفس. يبدآن بتحليل امكاناتهما: الأسلحة، العقاقير المضادة للسموم، ما تبقى لهما من طعام وماء. وهنا تتبين لهما أهمية الكتاب – المرشد الذي اصطحباه معهما، والذي يحتوي على معلومات عن كل الحشرات المعروفة.
وبعد ذلك تعين على بطلينا الاشتباك مع الحشرات دفاعا عن نفسيهما، وفي كلا المرتين تكون جوليا من يقتل الحشرات. لأن ستيف لا يستطيع النظر اليها على أنها "كاسرة". وبعد ذلك يلاحظ ستيف وجوليا أن بعض الحشرات لا تأكل سوى الجيف. لكن خلو الحديقة من الطيور أو الحيوانات الأخرى، يجعل عالمينا الأحيائيين يشكان أن "في الأمر شيئا مريبا". يلاحقان تلك الحشرات آكلة الجيف فينهدم بهما نفق غريب يجدان في قاعه هيكلا عظميا آدميا وبعض الملابس. ستيف يعثر في الملابس هوية شخصية لوزير سبق أن اختفى في "عالم الحشرات" ولم يظهر له أثر أبدا. وبعد فحص الهيكل يجدان ثقبا في جمجمته أحدثه اطلاق نار.
نعرف في الوقت ذاته أن توقف العدادات ووسائل الاتصال قد حدث بفعل مايكل.وبعد ذلك مباشرة، يصدر أمرا بتشكيل فريق لانقاذ ستيف وجوليا. يتلفن بعد ذلك لماري ويخبرها باختفاء زوجها ومساعدته، وبأنه قد شكل فريقا لنقاذهما. وبعد ذلك يستدعي رئيس الفريق ويأمره بالقضاء على ستيف وجوليا بأية طريقة ممكنة.ومن خلال حديثهما نعرف أن رئيس الفريق هو أحد رجال مايكل، ولهذا تكون مهمة القضاء على ستيف وجوليا على عاتقه لوحده، وعليه أن يكون حذرا كيلا يعلم الآخرون بذلك.
الخطوة السابعة: فصل الانعطاف المركزي.
ان ما يسمى بالانعطاف المركزي يقع في منتصف السيناريو تقريبا، وهو تلك اللحظة التي يصبح فيها البطل مسيطرا على الوضع أكثر من كونه "يطفو مع التيار". وتنمو فرص البطل للفوز بفضل معلومات و امكانات وقدرات وامكانات جديدة. انه الآن واثق 100% بأنه قادر على الوصول الى هدفه. وتحل هذه اللحظة في الغالب، حين "يحرق البطل الجسور خلفه" ويدرك المتفرج أن الطريق الى "الرجعة قد انقطعت"، وأن شعار البطل هو: "الى الأمام" مهما كلف ذلك.
منقول عن موقع ورشة سينما
http://cineworkinst.eu
حدودي السما- عضو
- عدد المساهمات : 183
تاريخ التسجيل : 19/05/2010
العمر : 49
مواضيع مماثلة
» كيف تكتب السيناريو الجزء الأول ( منقول )
» كيف تكتب السيناريو الجزء الثالث ( منقول )
» كيف تكتب السيناريو - منقول
» كيف تكتب رواية في 100 يومٍ أو أقل؟ ( منقول )
» كيف تكتب سيناريو الفيلم التسجيلي - منقول
» كيف تكتب السيناريو الجزء الثالث ( منقول )
» كيف تكتب السيناريو - منقول
» كيف تكتب رواية في 100 يومٍ أو أقل؟ ( منقول )
» كيف تكتب سيناريو الفيلم التسجيلي - منقول
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى