صعوبات التحليل السينمائي- نقلا عن كتاب: فنّ الفرجة على الأفلام

صعوبات التحليل السينمائي

نقلا عن كتاب : فن الفرجة على الأفلام
تأليف: جوزيف.م.بوجز
ترجمة : وداد عبد الله
الناشر : الهيئة المصرية العامة للكتاب.


إن نفس الخصائص تماما التي تجعل الفيلم أقوى جميع الفنون تأثيرا وواقعية تجعل التحليل أيضا مهمة صعبة . أولا ، الفيلم في حالته الطبيعية مستمر متواصل ، إذ لا يمكن تجميد سريانه في الزمان والمكان ، وحالما يتجمد الفليم مرة ، لا يغدو بعدها فيلنا "حركة" لأن الخاصية الفريدة للأداة تولت .

ولهذا السبب ، يجب علينا أن نوجه جل اهتمامنا إلى الاستجابة بحساسية مرهفة للتفاعل المستمر والمتزامن بين الصورة والصوت والحركة على الشاشة . وتخلق هذه الضرورة أصعب جزء في مهمتنا : يجب علينا أن نحاول بطريقة ما أن نظل مستغرقين بكليتنا تقريبا في التجربة الواقعية للفيلم مع احتفاظنا في نفس الوقت بدرجة عالية شيئا ما من الموضوعية والتجرد النقدي . ورغم ما قد تبدو عليه من صعوبة ، فمن الممكن تنمية هذه المهارة ، وعلينا أن نرعاها ونصقلها بوعي إذا شئنا أن نصبح بحق "مثقفين سينمائيين" .

ويمكن أن تكون الابتكارات الحديثة في مسجلات الفيديو كاسيت ، وأجهزة تشغيل اسطوانات الفيديو ذات قيمة عظمى في تنمية المهارات والعادات التحليلية عند الفرد .

كذلك تخلق طبيعة المجال التكنيكية صعوبات في التحليل السينمائي . وربما كان من المثالية لو أمكننا جميعا أن نلم على الأقل بشيء من الخبرة المحدودة في التصوير السينمائي وتوليف الأفلام . ولما كان هذا مستحيلا ، فإنه ينبغي علينا أن نألف التقنيات الأساسية للإنتاج بحيث نستطيع أن نتعرف عليها ونقدر فاعليتها . وبما أن قدرا معينا من اللغة التكنيكية أو الرطانة المتداولة عند أهل المهنة ضروري لتحليل أي شكل فني ومناقشته بذكاء ، فلا بد لنا أيضا أن نضيف عددا من المصطلحات التكنيكية إلى مفرداتنا اللغوية . ولئن واجهتنا صعوبات جمة في محاولاتنا الأولى للتحليل السينمائي ، فلن يعز علينا التغلب على أي منها لو وطدنا أنفسنا على تنمية العادات والمهارات والمواقف السليمة اللازمة للتحليل الواعي المتبصر .

عرضنا من قبل أصعب جزء في مهمتنا : يجب أن نحاول بأية كيفية أن نستغرق كلية بالتقريب في التجربة "الواقعية" للفيلم ، مع احتفاظنا في نفس الوقت بدرجة عالية نوعا من الموضوعية والتجرد النقدي . كما أن الطبيعة المعقدة للمجال تجعل من الصعب أن نتمعن مليا عناصر الفيلم كلها في مشاهدة واحدة ، فإن أشياء كثيرة جدا تحدث بسرعة جدا على مستويات كثيرة جدا بحيث لا تسمح بإجراء تحليل واف ... لهذا السبب ، يجب علينا أن نرى الفيلم مرتين كلما أمكن إذا شئنا أن ننمي العادات السليمة الملائمة للمشاهدة التحليلية . ففي المشاهدة الأولى نستطيع أن نشاهد الفيلم بالطريقة المعتادة ، منشغلين قبل أي شيء بعناصر الحبكة ، والأثر العاطفي الشامل ثم الموضوع أو الفكرة الرئيسية . وبعدئذ في مشاهدة ثانية ، حيث لم نعد الآن رهن التشوق "لما يحدث" نستطيع أن نركز انتباهنا التام على التساؤل لماذا وكيف في فن المخرج السينمائي . ولسوف ييسر لنا التدرب الدائب على تكنيك المشاهدة المزدوجة أن ندمج تدريجيا وظائف كلتا المشاهدتين في واحدة .

وينبغي علينا أيضا أن نتذكر الآن أن التحليل السينمائي لا ينتهي إثر انتهاء الفيلم ، بل في ناحية من النواحي يبدأ حقيقة عندئذ ، وسوف يكون استرجاع بعض أجزاء الفيلم في ذهن القارئ ضروريا لأي تحليل كامل .