كيف تكتب السّيناريو السّينمائي؟
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
كيف تكتب السّيناريو السّينمائي؟
بقلم الدّكتور/ جميل حمداوي
نقلا عن: مجلّة أدب و فن
===============
تمهيـــــد:
من المعروف أن الصناعة السينمائية لا تنبني إلا على عنصرين أساسين لايمكن الاستغناء عنهما، وهما: السيناريو والإخراج.فإذا كان الإخراج هو تركيب الفيلم وتحويل السيناريو إلى مشاهد مرئية حركية تقطيعا وتصويرا وتوليفا، فإن السيناريو هو عبارة عن قصة حكائية مروية عن طريق الكاميرا، أي إنه عبارة عن قصة مصورة في لقطات فيلمية ومشاهد وبكرات توصل الفكرة إلى المتفرج قصد التأثير عليه إيجابا أو سلبا. ومن هنا، فالسيناريو هو مضمون الفيلم ومادته الإبداعية التي يشاهدها المتفرج، بينما الإخراج هو مجموعة من الطرائق الفنية والجمالية الشكلية والتقنية التي يلتجئ إليها صانع الفيلم ومحققه لإخراج الفيلم وصناعته وإنجازه تقنيا وإبداعيا. أي يبدأ المخرج عمله بعد تسلم السيناريو من السيناريست ، ويمر عمله بثلاث مراحل أساسية وهي: التحضير للفيلم بعد الموافقة مع المنتج على تنفيذ السيناريو وتمويله، وتصوير الفيلم إجرائيا بعد اختيار المناظر الداخلية والخارجية، والانتهاء بمرحلة التوليف و المونتاج.
هذا، وإن الفيلم المتميز الناجح لايمكن أن يحقق ذلك النجاح إلا إذا كان السيناريو قد بني بطريقة فنية جيدة ورائعة من سماتها: التنسيق والتوليف والتسلسل واحترام التعاقب الزمني والتجديد في المضمون والأطروحة والهدف، والإبداع في الشكل والتقنية والمنظور، وكل ذلك من أجل إثارة الجمهور وجذب انتباهه البصري والسمعي والذهني.
إذاً، ماهو السيناريو؟ وماهي أهم مكوناته السينماتوغرافية؟ وماهي أهم شروطه؟ وماهي المراحل التي يخضع لها تأليف السيناريو؟ وماهي لغاته وتقنياته؟ أو بتعبير آخر ماهي أدوات الكتابة السينمائية التي تسعف كاتب السيناريو في تخطيط حبكته السردية؟ وماهي الطريقة الإجرائية في كتابة السيناريو ؟ تلكم هي أهم العناصر التي سوف نحاول الإجابة عنها في موضوعنا هذا.
1- تعريــــف السيناريو؟
من المعروف أن لفظة سيناريو Scénario كلمة إيطالية تعني العرض الوصفي لكل المناظر واللقطات والمشاهد والحوارات التي سينبني عليها الفيلم بطريقة مفصلة على الورقة من التقطيع حتى التركيب والمونتاج. ولم يحظ السيناريو بالاهتمام إلا مع استقلال السينما باعتبارها فنا له خصوصياته الفنية والجمالية والتقنية على غرار الفنون الجميلة الأخرى، وصار هذا الفن بعد ذلك يلقب ضمن شبكة الفنون الجميلة بالفن السابع ، وعد فنا وصناعة تجارية مدرة للربح. وازدادت قيمة السيناريو مع الفيلم الناطق سنة 1927م مع فيلم "مغني الجاز" لألان گروسلاند Alan Grosland. وأصبح للسيناريو متخصص يسمى بالسيناريست يتعاقد معه المنتج من أجل صناعة الأفلام، وقد يكون السيناريست كاتبا أو شاعرا أو مخرجا أو هاويا أو محترفا.
وتستمد فكرة السيناريو من قصاصات الصحف أو من مضامين بعض المسرحيات أو من القصص أو من الروايات سواء أكانت قديمة أم حديثة أو من أرشيف المحكمة أو من التاريخ أو من وقائع اجتماعية وسياسية وثقافية أو تقتبس من التراث الأجنبي أو العالمي أو الإنساني.
وإذا كان الفيلم عبارة عن قصة مصورة ومشخصة حركيا تروى للجمهور على الشاشة الصغيرة أو الكبيرة أو هو فن سرد القصة بالصور، فإن السيناريو هو التخطيط للفيلم على الورق، أي إنه تخطيط للقصة السردية الحكائية في شكل لقطات ومقاطع ومشاهد وبكرات وحوارات على الورقة لكي تكون قابلة للتشخيص والتمثيل والتمسرح الدرامي في الأستوديو الداخلي أو الخارجي. كما أن السيناريو قصة سردية تكتب بطريقة مشخصة بالحركات والنقل المرئي البصري.
وللتوضيح أكثر: فكاتب السيناريو هو الذي يضع حوارات مكثفة مقتصدة على ألسنة شخصيات محددة بدورها بدقة على عدة مستويات: سيكولوجيا وأخلاقيا واجتماعيا وسلوكيا عن طريق تقطيع القصة إلى بكرات ومقاطع ومشاهد ولقطات حركية مع إبراز أمكنة الأحداث وأزمنتها وتبيان مناظرها ومنظور الكاميرا والديكور والإكسسوارات والإضاءة والمؤثرات الصوتية والموسيقية.
وتأخذ اللقطات والمشاهد والمقاطع والبكرات طابعا تعاقبيا في السيناريو، وتأخذ كل جملة سردية رقما متسلسلا معينا ، ليقوم المونتير فيما بعد بترتيب الإيقاع الزمني والحدثي تتابعا أو توازيا أوتداخلا.
ومن هنا، فالسيناريو عبارة عن شريط سردي ووصفي يهدف إلى تقديم الأحداث والشخصيات والفضاء الزمكاني مع تقديم كل المعلومات الضرورية إلى المشاهد عبر مكونات الحبكة السردية. وهناك نوعان من السيناريو: سيناريو خاص يتعلق بالسينما، وسيناريو عام يوجه إلى المسرح والإذاعة وغير ذلك من الاختصاصات الإعلامية.
وعلى أي، فالسيناريو الخاص:" هو الذي يكتب أصلا لغاية إنتاج فيلم سينمائي، وغيره هو ذلك الذي يحور عن نص موضوع لغير السينما كالقراءة والإذاعة أو المسرح.
جميع أنواع السيناريو دعامة أساسية للفيلم، إنجازه يوكل للمحترفين الممارسين، ومع ذلك فالسيناريو ليس ممتنعا على غير المحترف. فإنشاؤه في متناول حتى السينمائيين الهواة، لأنه يبدأ بفكرة صغيرة حتى ولو كان لأضخم الأفلام وأجودها، وبناؤه هو الذي يكسوه بتلافيف مهما تعددت قنواتها فلابد أن تصب كلها في جدول واحد يقود إلى الفكرة الأصلية التي قد تكون صغيرة بالغة الدقة في الصغر.
مثل هذه الأفكار الصغيرة وحتى الكبيرة منها، يمكن العثور عليها في الوقائع اليومية العادية، فالمهم أن تكون فكرة المحور تتضمن: ماذا وقع؟ وأن يكون كساؤها هو: كيف؟ وتعليل ماوقع.".
ومن جهة أخرى، فالسيناريست هو الذي يتخصص في كتابة السيناريو المعد لإنتاج الفيلم السينمائي، وكاتب السيناريو طبقا للفصل (31) من ظهير29-07- 1970 م في القانون المغربي المتعلق بالصناعة السينمائية" يتمتع بصفة مؤلف سينمائي، وبالتالي تشمله الحماية القانونية كشريك في المصنف السينمائي إلى جانب المخرج وواضع الموسيقا" .
ويعني هذا، أن السيناريست له مكانة محترمة في مجال صناعة السينما، وله ضمانة تشريعية وحماية قانونية مادام هو صاحب الحق ومالك العمل الذي يقوم عليه الفيلم.
ولا يجوز للمخرج أو المنتج إطلاقا أن يتعديا على حقوق السيناريست أو كاتب السيناريو، فلا بد من تعاقد موثق ومثبت قانونيا ، لكي تصبح الشراكة قانونية ، وبالتالي، يصبح العمل مشروعا وقابلا للتمويل والدعم من قبل المراكز السينمائية الوطنية.
2- العوامل التي تتحكم في السيناريو:
يراعي السيناريست في بناء قصته ثلاثة عوامل رئيسية، وهي: التوازن، والتوقيت، والاقتصاد.ويعني هذا أن قصة السيناريو لابد أن تكون متوازنة في عناصرها متناسقة في محطاتها السردية التي تستند إليها الحبكة القصصية. فالتوازن هو الذي يحقق النجاح للفيلم، فالعناصر لابد أن تتضام وتتشابك داخل نسق فيلمي متوازن في علاقة بالتوقيت والمتفرج الذي لايستطيع متابعة الفيلم في جلسة واحدة أكثر من ساعتين. كما يستوجب التوازن مراعاة عدد المشاهد في علاقتها بمدة الفيلم وطول شريط السيلولويد، وتحقيق الانسجام بين البداية والعقدة والنهاية، وضبط الوقت بشكل متوازن بين مشاهد البكرة الأولى والبكرة الثانية والبكرة الثالثة.
ويقصد أوزويل بليكستون Oswell Blakeston بالتوازن:" القصة المتكاملة التي تترك المتفرجين قانعين بأن كل عنصر من عناصر القصة قد نال نصيبه من الأهمية. والتوازن والتوقيت يتداخلان. ولكن من الممكن أن تجد توقيتا جيدا في قصة ما دون أن تجد فيها توازنا جيدا.".
ويفهم من هذا التعريف أن جميع العناصر المكونة للقصة ينبغي أن تكون متوازية ومتوازنة. وللتمثيل: فالفيلم الذي يستغرق ساعتين يتكون تقريبا من 120 مشهدا، كما ينبني السيناريو على ثلاث محطات سردية أساسية وهي: البداية ، وعقدة الحبكة أو مايسمى بالصراع، والنهاية التي فيها يتم حل المشكل الذي يواجهه البطل أو الشخصية المحورية. فإذا أردنا أن نقسم هذه المشاهد بشكل متوازن، علينا أن نعطي الأهمية الكبرى للصراع مع الإكثار من مشاهده بالمقارنة مع البداية والنهاية. لذا، نخصص للبداية والنهاية ثلاثين مشهدا، بينما نخصص للصراع ستين مشهدا باعتباره أهم مرحلة في عملية الكتابة السردية والمعالجة الدرامية المعقولة. ويضفي هذا التقسيم على الفيلم نوعا من التوازن على مستوى التقبل والقراءة. كما أن الاتساق والانسجام ووضوح المقروئية بالإضافة إلى المتعة والفائدة من العناصر التي تساهم في توفير التوازن الهرموني والتركيبي للفيلم السينمائي. أما التوقيت فهو عنصر مهم في بناء السيناريو، فكل لقطة أو مشهد أو مقطع أو بكرة لابد أن يخضع فضاؤها السردي للتوقيت المقنن والمحدد بطول مدة الفيلم الذي يتراوح بين 90 و120 دقيقة في جلسة واحدة. فمن المعهود أن المتفرج لايمكن أن يجلس أكثر من هذه المدة ؛ لأنه يحس بالملل والضجر والضيق أمام الأفلام الطويلة.
ويمكن للكاتب في مجال الرواية أن يكتب الكثير من الصفحات بل مجلدات، فهو غير مقيد بالوقت؛ لأنه حر في كتابته التخييلية، فهو يكتب لقارئ ضمني متفرغ للكتابة. ولكن السيناريست غير حر فهو مقيد بمدة الشريط ومدة الفيلم، ومقيد كذلك برغبة المتفرج الذي لا يستطيع أن يجلس أكثر من ساعتين ؛ لأن له جلسة واحدة محددة زمنيا ومؤسساتيا وسيكولوجيا وعضويا. إذاً، لابد أن يراعى السيناريست التوقيت أثناء كتابة الجملة السردية السينمائية و يكيفها حسب مدة العرض، ولابد أن يراعي وقت المشاهد وغيرها من العناصر الأخرى التي تدخل في إطار صناعة الفيلم.وعليه، " يضع كاتب السيناريو خطة لفيلمه الذي يستغرق مدة زمنية تقريبية، ثم يقسم خطته إلى عدد محدد من اللقطات. وفي الوقت نفسه، يتحتم عليه أن يكون لديه فكرة تقريبية عن طول كل لقطة. وغالبا ما يتحدد طول اللقطة على أساس الحس الفني الذي اكتسبه كاتب السيناريو من طول المران وتمكنه من ناحية التوقيت. كما أن هناك قاعدة عامة تحتم التركيز على المشاهد الهامة وذلك بإعطائها زمنا أطول للعرض. أما عن توقيت دخول الشخصيات وخروجها، وكذلك المناظر، فإن كاتب السيناريو ليس مقيدا بقيود الدراما المسرحية.".
أما الاقتصاد، فهو عنصر مهم في بناء السيناريو، وله علاقة وطيدة بالتوقيت. إذ يستلزم السيناريو الابتعاد قدر الإمكان عن التفاصيل والأوصاف الدخيلة الزائدة والأحداث الجانبية غير المهمة وانتقاء العناصر البارزة التي تخدم الفيلم والحبكة السردية سواء من قريب أم من بعيد. فلا أهمية للتفاصيل والإسهاب والإطناب في الوصف والتشخيص ؛ لأن المقام يستوجب التركيز والتكثيف والإيجاز وتحويل ماهو عاطفي أو ذهني إلى ماهو حركي ، بله عن الاختصار في الجمل والابتعاد عن الأحداث الفضفاضة الزائدة أو الأحداث الانسيابية في الطول والاستمرار التي تتطلب كثرة الوقت، وبالتالي، تؤثر على مدة الفيلم وإيقاع عرضه. وللتوضيح أكثر: لو أخذنا مشهد الأم وهي تطبخ الكسكس في مطبخها ، فهل سنذكر كل التفاصيل، وننتظر متى ستنتهي الأم من ذلك الطبخ.؟ بل علينا أن نلخص كل ذلك في لقطتين سينمائيتين:
1- وضعت الأم الكسكس على النار.
2- أزالت الأم الكسكس عن النار.
ومن ثم، فانتقاء المعلومات عملية مهمة في تحقيق الاقتصاد والتوازن للفيلم السينمائي. وفي هذا الصدد يقول صلاح أبو سيف في كتابه القيم:" كيف تكتب السيناريو؟":" الكاتب المجيد يستطيع أن يلخص المعلومات كلها إلى ماهو مهم ويستطيع أن يحكي قصته في حيز أصغر من الحيز الذي يحكي فيه الكاتب العاجز عن انتقاء المعلومات الضرورية. ومادام حيز الفيلم محدود، فإن الكاتب الذي يعرف كيف يختار المعلومات الضرورية يستطيع أن يحكي أكثر عن التطورات والأحداث، من الكاتب الذي تضطرب في رأسه المادة القصصية المحملة بخير المعلومات المهمة.وقد يعطي الكاتب لحادث واحد معلومات قليلة أو القدر الصحيح من المعلومات ليس حتما هو القدر الضروري ليجعل المشهد مفهوما.وحتى نستغل قيمة الموقف لايكفي أن نجعل الموقف مفهوما، ولكن يجب أن يكون مؤثرا وممتعا أيضا. وفي حين لابد من معالجة وسائل التعبير بأكثر الطرق اقتصادا، فلابد أن تكون كمية المعلومات معتدلة وليست موزعة." وبناء على ماسبق، نستشف أن السيناريو الناجح لابد أن يتكئ على ثلاثة مقومات أساسية لايمكن التفريط فيها أو التغاضي عنها أو الاستغناء عنها ، وهي: الاقتصاد والتوازن والتوقيت.
نقلا عن: مجلّة أدب و فن
===============
تمهيـــــد:
من المعروف أن الصناعة السينمائية لا تنبني إلا على عنصرين أساسين لايمكن الاستغناء عنهما، وهما: السيناريو والإخراج.فإذا كان الإخراج هو تركيب الفيلم وتحويل السيناريو إلى مشاهد مرئية حركية تقطيعا وتصويرا وتوليفا، فإن السيناريو هو عبارة عن قصة حكائية مروية عن طريق الكاميرا، أي إنه عبارة عن قصة مصورة في لقطات فيلمية ومشاهد وبكرات توصل الفكرة إلى المتفرج قصد التأثير عليه إيجابا أو سلبا. ومن هنا، فالسيناريو هو مضمون الفيلم ومادته الإبداعية التي يشاهدها المتفرج، بينما الإخراج هو مجموعة من الطرائق الفنية والجمالية الشكلية والتقنية التي يلتجئ إليها صانع الفيلم ومحققه لإخراج الفيلم وصناعته وإنجازه تقنيا وإبداعيا. أي يبدأ المخرج عمله بعد تسلم السيناريو من السيناريست ، ويمر عمله بثلاث مراحل أساسية وهي: التحضير للفيلم بعد الموافقة مع المنتج على تنفيذ السيناريو وتمويله، وتصوير الفيلم إجرائيا بعد اختيار المناظر الداخلية والخارجية، والانتهاء بمرحلة التوليف و المونتاج.
هذا، وإن الفيلم المتميز الناجح لايمكن أن يحقق ذلك النجاح إلا إذا كان السيناريو قد بني بطريقة فنية جيدة ورائعة من سماتها: التنسيق والتوليف والتسلسل واحترام التعاقب الزمني والتجديد في المضمون والأطروحة والهدف، والإبداع في الشكل والتقنية والمنظور، وكل ذلك من أجل إثارة الجمهور وجذب انتباهه البصري والسمعي والذهني.
إذاً، ماهو السيناريو؟ وماهي أهم مكوناته السينماتوغرافية؟ وماهي أهم شروطه؟ وماهي المراحل التي يخضع لها تأليف السيناريو؟ وماهي لغاته وتقنياته؟ أو بتعبير آخر ماهي أدوات الكتابة السينمائية التي تسعف كاتب السيناريو في تخطيط حبكته السردية؟ وماهي الطريقة الإجرائية في كتابة السيناريو ؟ تلكم هي أهم العناصر التي سوف نحاول الإجابة عنها في موضوعنا هذا.
1- تعريــــف السيناريو؟
من المعروف أن لفظة سيناريو Scénario كلمة إيطالية تعني العرض الوصفي لكل المناظر واللقطات والمشاهد والحوارات التي سينبني عليها الفيلم بطريقة مفصلة على الورقة من التقطيع حتى التركيب والمونتاج. ولم يحظ السيناريو بالاهتمام إلا مع استقلال السينما باعتبارها فنا له خصوصياته الفنية والجمالية والتقنية على غرار الفنون الجميلة الأخرى، وصار هذا الفن بعد ذلك يلقب ضمن شبكة الفنون الجميلة بالفن السابع ، وعد فنا وصناعة تجارية مدرة للربح. وازدادت قيمة السيناريو مع الفيلم الناطق سنة 1927م مع فيلم "مغني الجاز" لألان گروسلاند Alan Grosland. وأصبح للسيناريو متخصص يسمى بالسيناريست يتعاقد معه المنتج من أجل صناعة الأفلام، وقد يكون السيناريست كاتبا أو شاعرا أو مخرجا أو هاويا أو محترفا.
وتستمد فكرة السيناريو من قصاصات الصحف أو من مضامين بعض المسرحيات أو من القصص أو من الروايات سواء أكانت قديمة أم حديثة أو من أرشيف المحكمة أو من التاريخ أو من وقائع اجتماعية وسياسية وثقافية أو تقتبس من التراث الأجنبي أو العالمي أو الإنساني.
وإذا كان الفيلم عبارة عن قصة مصورة ومشخصة حركيا تروى للجمهور على الشاشة الصغيرة أو الكبيرة أو هو فن سرد القصة بالصور، فإن السيناريو هو التخطيط للفيلم على الورق، أي إنه تخطيط للقصة السردية الحكائية في شكل لقطات ومقاطع ومشاهد وبكرات وحوارات على الورقة لكي تكون قابلة للتشخيص والتمثيل والتمسرح الدرامي في الأستوديو الداخلي أو الخارجي. كما أن السيناريو قصة سردية تكتب بطريقة مشخصة بالحركات والنقل المرئي البصري.
وللتوضيح أكثر: فكاتب السيناريو هو الذي يضع حوارات مكثفة مقتصدة على ألسنة شخصيات محددة بدورها بدقة على عدة مستويات: سيكولوجيا وأخلاقيا واجتماعيا وسلوكيا عن طريق تقطيع القصة إلى بكرات ومقاطع ومشاهد ولقطات حركية مع إبراز أمكنة الأحداث وأزمنتها وتبيان مناظرها ومنظور الكاميرا والديكور والإكسسوارات والإضاءة والمؤثرات الصوتية والموسيقية.
وتأخذ اللقطات والمشاهد والمقاطع والبكرات طابعا تعاقبيا في السيناريو، وتأخذ كل جملة سردية رقما متسلسلا معينا ، ليقوم المونتير فيما بعد بترتيب الإيقاع الزمني والحدثي تتابعا أو توازيا أوتداخلا.
ومن هنا، فالسيناريو عبارة عن شريط سردي ووصفي يهدف إلى تقديم الأحداث والشخصيات والفضاء الزمكاني مع تقديم كل المعلومات الضرورية إلى المشاهد عبر مكونات الحبكة السردية. وهناك نوعان من السيناريو: سيناريو خاص يتعلق بالسينما، وسيناريو عام يوجه إلى المسرح والإذاعة وغير ذلك من الاختصاصات الإعلامية.
وعلى أي، فالسيناريو الخاص:" هو الذي يكتب أصلا لغاية إنتاج فيلم سينمائي، وغيره هو ذلك الذي يحور عن نص موضوع لغير السينما كالقراءة والإذاعة أو المسرح.
جميع أنواع السيناريو دعامة أساسية للفيلم، إنجازه يوكل للمحترفين الممارسين، ومع ذلك فالسيناريو ليس ممتنعا على غير المحترف. فإنشاؤه في متناول حتى السينمائيين الهواة، لأنه يبدأ بفكرة صغيرة حتى ولو كان لأضخم الأفلام وأجودها، وبناؤه هو الذي يكسوه بتلافيف مهما تعددت قنواتها فلابد أن تصب كلها في جدول واحد يقود إلى الفكرة الأصلية التي قد تكون صغيرة بالغة الدقة في الصغر.
مثل هذه الأفكار الصغيرة وحتى الكبيرة منها، يمكن العثور عليها في الوقائع اليومية العادية، فالمهم أن تكون فكرة المحور تتضمن: ماذا وقع؟ وأن يكون كساؤها هو: كيف؟ وتعليل ماوقع.".
ومن جهة أخرى، فالسيناريست هو الذي يتخصص في كتابة السيناريو المعد لإنتاج الفيلم السينمائي، وكاتب السيناريو طبقا للفصل (31) من ظهير29-07- 1970 م في القانون المغربي المتعلق بالصناعة السينمائية" يتمتع بصفة مؤلف سينمائي، وبالتالي تشمله الحماية القانونية كشريك في المصنف السينمائي إلى جانب المخرج وواضع الموسيقا" .
ويعني هذا، أن السيناريست له مكانة محترمة في مجال صناعة السينما، وله ضمانة تشريعية وحماية قانونية مادام هو صاحب الحق ومالك العمل الذي يقوم عليه الفيلم.
ولا يجوز للمخرج أو المنتج إطلاقا أن يتعديا على حقوق السيناريست أو كاتب السيناريو، فلا بد من تعاقد موثق ومثبت قانونيا ، لكي تصبح الشراكة قانونية ، وبالتالي، يصبح العمل مشروعا وقابلا للتمويل والدعم من قبل المراكز السينمائية الوطنية.
2- العوامل التي تتحكم في السيناريو:
يراعي السيناريست في بناء قصته ثلاثة عوامل رئيسية، وهي: التوازن، والتوقيت، والاقتصاد.ويعني هذا أن قصة السيناريو لابد أن تكون متوازنة في عناصرها متناسقة في محطاتها السردية التي تستند إليها الحبكة القصصية. فالتوازن هو الذي يحقق النجاح للفيلم، فالعناصر لابد أن تتضام وتتشابك داخل نسق فيلمي متوازن في علاقة بالتوقيت والمتفرج الذي لايستطيع متابعة الفيلم في جلسة واحدة أكثر من ساعتين. كما يستوجب التوازن مراعاة عدد المشاهد في علاقتها بمدة الفيلم وطول شريط السيلولويد، وتحقيق الانسجام بين البداية والعقدة والنهاية، وضبط الوقت بشكل متوازن بين مشاهد البكرة الأولى والبكرة الثانية والبكرة الثالثة.
ويقصد أوزويل بليكستون Oswell Blakeston بالتوازن:" القصة المتكاملة التي تترك المتفرجين قانعين بأن كل عنصر من عناصر القصة قد نال نصيبه من الأهمية. والتوازن والتوقيت يتداخلان. ولكن من الممكن أن تجد توقيتا جيدا في قصة ما دون أن تجد فيها توازنا جيدا.".
ويفهم من هذا التعريف أن جميع العناصر المكونة للقصة ينبغي أن تكون متوازية ومتوازنة. وللتمثيل: فالفيلم الذي يستغرق ساعتين يتكون تقريبا من 120 مشهدا، كما ينبني السيناريو على ثلاث محطات سردية أساسية وهي: البداية ، وعقدة الحبكة أو مايسمى بالصراع، والنهاية التي فيها يتم حل المشكل الذي يواجهه البطل أو الشخصية المحورية. فإذا أردنا أن نقسم هذه المشاهد بشكل متوازن، علينا أن نعطي الأهمية الكبرى للصراع مع الإكثار من مشاهده بالمقارنة مع البداية والنهاية. لذا، نخصص للبداية والنهاية ثلاثين مشهدا، بينما نخصص للصراع ستين مشهدا باعتباره أهم مرحلة في عملية الكتابة السردية والمعالجة الدرامية المعقولة. ويضفي هذا التقسيم على الفيلم نوعا من التوازن على مستوى التقبل والقراءة. كما أن الاتساق والانسجام ووضوح المقروئية بالإضافة إلى المتعة والفائدة من العناصر التي تساهم في توفير التوازن الهرموني والتركيبي للفيلم السينمائي. أما التوقيت فهو عنصر مهم في بناء السيناريو، فكل لقطة أو مشهد أو مقطع أو بكرة لابد أن يخضع فضاؤها السردي للتوقيت المقنن والمحدد بطول مدة الفيلم الذي يتراوح بين 90 و120 دقيقة في جلسة واحدة. فمن المعهود أن المتفرج لايمكن أن يجلس أكثر من هذه المدة ؛ لأنه يحس بالملل والضجر والضيق أمام الأفلام الطويلة.
ويمكن للكاتب في مجال الرواية أن يكتب الكثير من الصفحات بل مجلدات، فهو غير مقيد بالوقت؛ لأنه حر في كتابته التخييلية، فهو يكتب لقارئ ضمني متفرغ للكتابة. ولكن السيناريست غير حر فهو مقيد بمدة الشريط ومدة الفيلم، ومقيد كذلك برغبة المتفرج الذي لا يستطيع أن يجلس أكثر من ساعتين ؛ لأن له جلسة واحدة محددة زمنيا ومؤسساتيا وسيكولوجيا وعضويا. إذاً، لابد أن يراعى السيناريست التوقيت أثناء كتابة الجملة السردية السينمائية و يكيفها حسب مدة العرض، ولابد أن يراعي وقت المشاهد وغيرها من العناصر الأخرى التي تدخل في إطار صناعة الفيلم.وعليه، " يضع كاتب السيناريو خطة لفيلمه الذي يستغرق مدة زمنية تقريبية، ثم يقسم خطته إلى عدد محدد من اللقطات. وفي الوقت نفسه، يتحتم عليه أن يكون لديه فكرة تقريبية عن طول كل لقطة. وغالبا ما يتحدد طول اللقطة على أساس الحس الفني الذي اكتسبه كاتب السيناريو من طول المران وتمكنه من ناحية التوقيت. كما أن هناك قاعدة عامة تحتم التركيز على المشاهد الهامة وذلك بإعطائها زمنا أطول للعرض. أما عن توقيت دخول الشخصيات وخروجها، وكذلك المناظر، فإن كاتب السيناريو ليس مقيدا بقيود الدراما المسرحية.".
أما الاقتصاد، فهو عنصر مهم في بناء السيناريو، وله علاقة وطيدة بالتوقيت. إذ يستلزم السيناريو الابتعاد قدر الإمكان عن التفاصيل والأوصاف الدخيلة الزائدة والأحداث الجانبية غير المهمة وانتقاء العناصر البارزة التي تخدم الفيلم والحبكة السردية سواء من قريب أم من بعيد. فلا أهمية للتفاصيل والإسهاب والإطناب في الوصف والتشخيص ؛ لأن المقام يستوجب التركيز والتكثيف والإيجاز وتحويل ماهو عاطفي أو ذهني إلى ماهو حركي ، بله عن الاختصار في الجمل والابتعاد عن الأحداث الفضفاضة الزائدة أو الأحداث الانسيابية في الطول والاستمرار التي تتطلب كثرة الوقت، وبالتالي، تؤثر على مدة الفيلم وإيقاع عرضه. وللتوضيح أكثر: لو أخذنا مشهد الأم وهي تطبخ الكسكس في مطبخها ، فهل سنذكر كل التفاصيل، وننتظر متى ستنتهي الأم من ذلك الطبخ.؟ بل علينا أن نلخص كل ذلك في لقطتين سينمائيتين:
1- وضعت الأم الكسكس على النار.
2- أزالت الأم الكسكس عن النار.
ومن ثم، فانتقاء المعلومات عملية مهمة في تحقيق الاقتصاد والتوازن للفيلم السينمائي. وفي هذا الصدد يقول صلاح أبو سيف في كتابه القيم:" كيف تكتب السيناريو؟":" الكاتب المجيد يستطيع أن يلخص المعلومات كلها إلى ماهو مهم ويستطيع أن يحكي قصته في حيز أصغر من الحيز الذي يحكي فيه الكاتب العاجز عن انتقاء المعلومات الضرورية. ومادام حيز الفيلم محدود، فإن الكاتب الذي يعرف كيف يختار المعلومات الضرورية يستطيع أن يحكي أكثر عن التطورات والأحداث، من الكاتب الذي تضطرب في رأسه المادة القصصية المحملة بخير المعلومات المهمة.وقد يعطي الكاتب لحادث واحد معلومات قليلة أو القدر الصحيح من المعلومات ليس حتما هو القدر الضروري ليجعل المشهد مفهوما.وحتى نستغل قيمة الموقف لايكفي أن نجعل الموقف مفهوما، ولكن يجب أن يكون مؤثرا وممتعا أيضا. وفي حين لابد من معالجة وسائل التعبير بأكثر الطرق اقتصادا، فلابد أن تكون كمية المعلومات معتدلة وليست موزعة." وبناء على ماسبق، نستشف أن السيناريو الناجح لابد أن يتكئ على ثلاثة مقومات أساسية لايمكن التفريط فيها أو التغاضي عنها أو الاستغناء عنها ، وهي: الاقتصاد والتوازن والتوقيت.
حدودي السما- عضو
- عدد المساهمات : 183
تاريخ التسجيل : 19/05/2010
العمر : 49
رد: كيف تكتب السّيناريو السّينمائي؟
سلمت يداك يا أخي و نتمنى لك التوفيق
hasni- عضو
- عدد المساهمات : 78
تاريخ التسجيل : 30/09/2010
العمر : 43
مواضيع مماثلة
» كيف تكتب السّيناريو السينمائي - بقلم الدّكتور/ جميل حمداوي
» 15 تمرينًا في كتابة السّيناريو
» كيف تكتب السيناريو - منقول
» "صنايعيّة" ورش السّيناريو- تحقيق مع 3شبّان شاركوا في كتابة (تامر وشوقيّة)و(راجل و6ستّات)
» الانتقال بين المشاهد
» 15 تمرينًا في كتابة السّيناريو
» كيف تكتب السيناريو - منقول
» "صنايعيّة" ورش السّيناريو- تحقيق مع 3شبّان شاركوا في كتابة (تامر وشوقيّة)و(راجل و6ستّات)
» الانتقال بين المشاهد
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى